لقى الشيخ جعفر النمر في مسجد الإمام الحسن بمدينة سيهات بين صلاة الظهريين ليوم الجمعة بتاريخ 258 محرم 1427هـ الموافق 24 فبراير 2006م كلمة بعنوان «المنهج التكفيري».. فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نحمده ونستعينه ونستحيه، ونعوذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم الي قيام يوم الدين.
شجب واستنكار:
ألم بالأمة الإسلامية في الآونة الأخيرة من المصائب والبلايا والفضائع ما يوجع قلب كل مؤمن ويجرح مشاعر كل إنسان ويهز كيان كل عاقل. وأخرها وافضعها، ما ألم بمرقدي إمامينا: الإمام الهادي والإمام العسكري من عمل إجرامي بشع لا يستسيغه احد من العقلاء، ولا من في قلبه مثقال ذرة من إيمان. والذي نراه إن مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تقع فجأة ما لم يكن هناك من العوامل ما يساعد على ظهور مثلها. ونقصد بمثل هذه العوامل الثقافة والبنية الفكرية التي ينمو فيها مثل هذه الفئة الضالة، والفئة الباغية، والفئة التي لا يمكن تجنيب الأمة شرها وأثرها السيئ ما لم تقف الأمة صفا واحد في وجه هذه الفئة الضالة.
ولذلك سوف أتكلم بعد الاستنكار البالغ الذي لا يمكن أن يبينه اللسان. الشجب الشديد لمثل هذه الأعمال بدء من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال وإشاعة الهرج والمرج وختاما بتفجير هذا المعلم الطاهر وهذا الصرح المُشيد على أساس التقوى. سوف أتكلم عن الأساس والبنية التي أدت الي مثل هذه الأعمال ألا وهو التكفير. المنهج التكفيري الذي يؤدي بالبعض الي أن يفكر بطريقة يشذ بها عن مناهج العقلاء جميعا.
مقدمة:
ولابد أولا أن أُقدِم مقدمة لان الكلام ليس عن فكر محدد، الكلام عن منهج تكفيري، وهذا المنهج يتجلى في فئة بشكل واضح وربما يكون في فئة أخرى بشكل خفي. المنهج يقصد به الطريقة التي يعتمدها الإنسان في استكشاف الحقائق والحكم على الأشياء. فربما يبالغ الإنسان في التمسك في هذا المنهج حتى تكون توجهاته ومتبنياته الفكرية وعقائده صورة طبق الأصل لهذا المنهج. كأن يعتقد بكفر كل إنسان إلا من يسكن معه في داره. وإذا وصل الأمر الي هذا الحد اعتقد بكفر جاره وكفر من في داره إلا هو. هذا فكر تكفيري مبنى على منهج تكفيري. ولكن هناك منهج غير تكفيري، لكنه مبني على منهج تكفيري لان هذا المنهج باطن وخفي. أريد أن استعرض بشكل مختصر إنشاء الله تعالى هذا المنهج وما يرتبط به وما يتفرع على هذا المنهج.
ولكن أولا أحب أن أقدم مقدمة أبين فيها ما يحكم به العقل والشرع من لزوم بنبذ الهوى ولزوم تجنب الباطل في البحث عن الحق. الإنسان إذا أراد أن يبني كيانا علميا وإذا أراد أن يبني نظرية لا بد أن يكون مقياسه فيها هو الحق. لان إتباع الهوى لا يؤدي إلا الي الباطل. والحق لا يمكن أن يتعرف عليه من خلال الأهواء والشهوات والرغبات، والحق شيء مستقل عنا وعن مشاعرنا وعن جوارحنا وعن جوانحنا. الحق لا يتبع هوى احد يقول الله في محكم التنزيل: ﴿ ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ﴾ (المؤمنون، آية 71).
النقطة الأولى:
هنا لا باس أن أبين بعض الأحاديث التي ترتبط بهذه المقدمة التي هي مرتبطة بالموضوع في الصميم. وأريد أن أؤكد لكم إنني من الآن الي أن اختم كلمتي إنني لن استشهد إلا بالقران الكريم وبكتب الصحاح لاغير في كل ما أقول إنشاء الله تعالى. ورد في صحيح مسلم في الصفحة (1001) أن رسول الله قال: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون» والمتنطعون كما يشرح شراح الصحاح هم: المغالون والمجاوزون للحد في الفعل والقول. كل شئ له حد، الأمر بالمعروف له حد، الاعتقاد بالحق له حد. الفعل له حد، القول له حد. إذا غالى الإنسان في هذه الأشياء فقد دخل في دائرة التنطع، ودائرة التنطع ليست إلا دائرة الهلاك.
وفي حديث آخر في صحيح مسلم في الصفحة (1000) باب الألد الخصم. يقول رسول الله : «إن ابغض الرجال الي الله الألد الخصم». الألد مأخوذ من لديدي الوادي أي جانبي الوادي وهو الذي إذا الزمته في طرف من أطراف الوادي فزع الي الطرف الآخر. وهذا يشابه حركة المخاصم إذا الزمته بالحق في جانب فزع الي جانب من جوانب الجدال ليجادلك من جديد. فما تكاد تمسك به في طرف، إلا تملص منك الي طرف آخر، مثل هذا يسمى الألد. وهذا التعبير مأخوذ من قوله تعالى:﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ﴾. (البقرة، آية 204). إذا هناك تنطع أي مغالاة وتجاوز في الحد بالنسبة الي القول والفعل، وهناك لدد في الخصام وهناك خصام وجدال.
النقطة الثانية:
في صحيح مسلم الرسول يقول: «إن الله زوي بي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وان أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض – كناية عن الثروة التي كانت في تلك الأيام الذهب والفضة – واني سألت ربي أن لا يهلكها بسنة عامة – أي القحط – وان لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وان ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءا لا يرد، واني أعطيتك لامتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وان لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم أقطارها أو قال ما بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا»
هذا الحديث من صحيح مسلم خبر صادق عن نبي صادق يدل بوضوح أن الأمة لن يأتيها البلاء من الخارج، بل بلاء الآمة من أنفسهم. هذا يعنى إننا لا ينبغي أبدا أن نبحث عن الحلول من خلال مواجهة الخارج غافلين عن الخط الداخلي الذي ينخر جسم هذه الأمة وهو خط النفاق، خط استبطان الكفر واظهار الإيمان.
موضوع الكلمة:
موضوع كلمتي هو التكفير وهذا يرتبط في أساسه بتحديد الإسلام، ما هو الإسلام وما هي حدوده، كيف يعرف المسلم، وما هو خط المسلم:
النقطة الأولى: تعريف الإسلام:
نريد أن نتعرف في هذه النقطة على ما ذا يريد الله عز وجل من الناس عندما يقول لهم: اسلموا. ﴿ ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ﴾ (آل عمران، آية 85).
ما هو دين الإسلام؟. للنظر الي بيان الرسول في تعريف هذا الإسلام. الإسلام كما جاء في صحيح مسلم: «أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان» هذا هو الإسلام. لا يمكن طبعا أن نحمل هذا الحديث على أن الصلاة أخذت في تعريف الإسلام هي الصلاة في مذهب مالك لأنه يؤدي الي كفر سائر المذاهب، ولا الصلاة في مذهب الأحناف لأنه يؤدي الي التكفير وسائر المذاهب، ولا صلاة الشيعة لأنه يؤدي الي تكفير كل المسلمين.
لابد أن نفهم هذا الحديث في دائرة الاختلاف في الفروع التي اجمع كل فقهاء المسلمين على جواز الاختلاف فيها. إذا المقصود بالصلاة المفروضة: صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء. أما أن يأتي بالصلاة مسبلا يديه أو مكفرا – أي واضعا يده اليمنى على اليسرى – فذاك أمر فرعي يمكن وقوع الخلاف فيه. فإذا أقام الإنسان هذه الصلاة فقد دخل في الإسلام وخرج من الكفر. هذا هو الإسلام كما جاء في صحيح مسلم.
وقد وردت هذه الرواية في غير صحيح مسلم:«أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله ويؤمنوا بما جئت به – أي القران الكريم – فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». كما ورد في صحيح مسلم الصفحة (33)
هذان الحديثان يعرفان لنا الإسلام بأنه شهادة أن لا اله إلا الله والالتزام بأصل الفروع مع الاختلاف في التفاصيل. فان هذا الاختلاف لا يضر بإسلام المسلم. هذا هو الإسلام الذي يريده الله عز وجل بحسب ما جاء في صحيح مسلم. إخواني وأخواتي نحن الآن نتكلم في دائرة أوسع من دائرة التشيع، نحن نكلم القوم بلسانهم، نحن نريد أن نصطف معهم صفا واحدا أمام من يريد السوء بشريعة النبي محمد وبالدين، من لا يفرق بين مسلم ولا مؤمن. والدليل على ذلك هو إقدامهم على قتل امرأة لمجرد أنها مراسلة صحفية اتخذت موقفا فيه شئ من الإنسانية وشئ من الموضوعية استقالة من قناة تتهجم على مرجعيات دينية لتنتقل القناة أخرى. جعلوا هذه المرأة أيضا ضحية في مخططاتهم لإلهاب نار الفتنة.
الكلام عن الفتنة لا ينبغي أن يلهينا عن أن هناك عدوا ما لم نقاتله جميعا فان هذا العدو سيظل يقتل صغارنا وينهب أموالنا و يلهب الفتنة بيننا. ليس المقصود والمطلوب من الشيعة فقط أن يحكموا أعصابهم. المطلوب من الجميع أن يقفوا وقفة صادقة جريئة شجاعة، أمام هذا التيار الذي لم يجر على الأمة إلا الويلات الي الآن. أريد أن اثبت لكل مسلم أن مثل هذه الفئة يجب وبقول رسول الله أن نصطف صفا واحد أمامها بالسيف. فإذا تصدت فرقة لقتالهم كإخواننا في العراق من الائتلاف العراقي الموحد ومن تحالف كردستاني ومن قوائم مختلفة يجب علينا أن نمدهم العون والخيل والرجال. لا أن نقف مكتوفي الأيدي لنطالب الشيعة بان يحكموا أعصابهم و ويضبطوا أنفسهم. القتل الذريع يقع في العراق ونطالب الشيعة بان يقفوا ويستنكروا ويشجبوا !!.
سبعة وأربعون من النسمات الزاكيات تزهق أرواحهم يوم أمس ولا من مستنكر!!. ويخرج رجل سفيه يقول إننا سنقاطع جلسات الحوار، حتى يشجب الشيعة التهجم على المساجد. يعلم الله هذا مخطط لا يراد به إلا إلهاب الفتنة. ولكن للأسف لا يساعد هذا المخطط إلا سفاهة البعض في أن يحمل الشيعة تبعات كل شئ ومسؤولية كل شئ ولا يريدون إلا من الشيعة أن يتخذوا موقفا للعلاج. هذا هو الذي يؤدي بالعراق الي الهاوية. الجميع يجب أن يصطف صفا واحد. نسأل الله أن يعيننا على تحمل هذا البلاء، ونعوذ بالله من درك الشقاء.
النقطة الثانية: كيف يعرف المسلم؟
يعرف المسلم بما ورد في صحيح البخاري في صفحة (143): «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته». هذا هو المسلم وقد ور د في باب تحريم قتل الكافر إذا قال لا إله إلا الله، وفي هذا الباب يذكر مسلم رواية فيها قصة أسامة الذي بعثه رسول الله في سرية، فقتل رجلا بعد أن قال ذلك الرجل لا اله إلا الله. فانبه رسول الله وتبرأ من هذا الفعل وقال : «أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله. قال يا رسول الله: إنما قالها متعوذا – أي متحصنا من القتل، أي أن أسامة يدعي أن هذا كاذب لكي يستجير من القتل – فقال له رسول الله : أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله، فما تقول إذا جاء قوم لا اله إلا الله، فهلا شققت عن صدره. يقول أسامة فما تمنيت أن أسلمت إلا ذلك اليوم. – لان الإسلام يجب ما قبله -». الي هذا الحد يصل حرمة دم المسلم، وهذا بقول الله تعلى: ﴿ و لا تقولوا لمن القى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ﴾ (النساء، آية 94).إذا شككت في إسلام إنسان وكفره وأقام شعائر الدين وسلم عليك بتحية الإسلام: حرم ماله ودمه كحرمة مكة في االشهر الحرام في البلد الحرام.
النقطة الثالثة: ما حق المسلم؟
«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه». لا يظلمه بان لا يغتصب ماله ولا عرضه ولا نفسه ولا يسلمه للقتل من دون أن يقف معه موقفا صادقا. نسفت قبة الإمامين الهمامين وفي إطار هذا المخطط تهجم بعض السفهاء على المساجد. ما هو الموقف الصحيح؟ الموقف الصحيح أن نقف معا في شجب كلا العمليتين، لا أن نقاطع عملية يراد بها إقرار الأمن وتشكيل حكومة ليستقل العراقيون في أنفسهم وقرارهم. ونقاطع حتى يقف الشيعة الموقف الصحيح. الشيعة هم الموتورون – وما عشت يريك الدهر عجبا -. الشيعة هم الموتورون ويطلب منهم أن يشجبوا، بحجة أن هذا الخصم تهجم على غيرهم. «المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه». صحيح مسلم صفحة (973).
وفي باب آخر عنوانه باب سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر. يروي فيه مسلم هذه الرواية مع البخاري وغيره، وفي باب آخر «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» أي غوائله وخدعه ومكره وكيده وأذاه وسؤ فعاله. وفي باب آخر «إذا كفر الرجل أخاه فقد باء به احدهما».
نحن قد عرفنا الإسلام ومن هو المسلم. المسلم هو من يلتزم بالشعائر الدينية، فمن كفر المسلم وهو في شرع الله مسلم فمن هو الكافر؟ فقد باء به احدهما أي القائل إذا كفر الرجل أخاه، فقد باء بها احدهما إن كان الرجل في صحيح مسلم، مسلم وفي صحيح البخاري مسلم فالكافر من؟ هو الذي قال لأخيه أنت كافر. هذا هو الكافر.
النقطة الرابعة: من هم الشيعة؟
انتقل الي فرقة خاصة من المسلمين وهم الشيعة. هؤلاء الشيعة بحسب ما تقدم مسلمون يقفون الآن صفا واحد في ثغر كبير من ثغور المسلمين يدافعون عن حرمات المسلمين يدافعون عن أعراضهم وعن أموالهم ويجاهدون لا قرار الأمن في بلاد عزيزة علينا. لم نقول هذا؟ نقول هذا بما ورد في صحيح مسلم: الشيعة هم الذين يعتقدون في علي انه وصي رسول الله . – دعونا من مسألة الخلافة والجدال في هذه المسالة فان لذلك مقام آخر- لكن نعرف الشيعة بأنهم المحبون لعلي عليه الصلاة والسلام محبة خاصة استوجبوا فيها لان يتعرضوا لمقدار من الأذى، لم يتعرض له غيرهم. أنا سأستشهد على أن الشيعة في أعلى درجات الإيمان بصحيح مسلم بغير الأدلة المعروفة والمذكورة عندنا:
الشاهد الأول:
يقول أمير المؤمنين :«انه لعهد النبي ألامي الي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق». إذا لا يحب عليا إلا المؤمنون، فالشيعة هم المؤمنون ويشاركهم في هذه المحبة غيرهم من المسلمين. لكن الشيعة في دائرة الإيمان التي هي اخص وأضيق من دائرة الإسلام. يقول الله في محكم التنزيل: «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» (الحجرات، آية 14). ا لشيعة في دائرة الإيمان بحجة خبر ورد في صحيح مسلم انه لعهد النبي الأمي انه لا يحبني إلا مؤمن. الكافر لا يحب عليا . (وبين قوسين أنا أورد هذه الرواية من كتبنا يقول الإمام الصادق أو الإمام الباقر عليهما السلام أنا لم أراجع هذه الرواية لاهتمامي أن تكون كلمتي مستشهدا بها من كتب الصحاح وقول: «حب الحسن والحسين أودع في قلوب المسلمين والمؤمنين والمنافقين وأما علي فانه لا يحبه الا مؤمن». إذا وفق هذا الحديث أن الشيعة هم المنتسبون والذين ينتمون الي الدائرة الضيقة الداخلة في دائرة الإسلام بمقتضى هذا الحديث. فإذا ضممنا هذا الحديث الي حديث آخر «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» كما ورد في الصفحة (42) من صحيح مسلم، ينكشف لنا بضم هذا الي ذاك أن الذي يؤذي الشيعة ليس بمسلم. المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. فالتعرض للشيعة هو بغي على المسلمين كافة، لا على الشيعة وحدهم لان هذا هو نص حديث رسول الله . كما جاء في صحيح مسلم وغيره.
الشاهد الثاني:
الشيعة ومكانتهم. ما ورد في صحيح مسلم في الصفحة (1054):«مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزلا المؤمن يصيبه البلاء» لم يتعرض احد من المسلمين لما تعرض له الشيعة بدء بأئمتهم صلوات الله وسلامه عليهم الي أدناهم تعرضوا لجميع أنواع البلاء ومختلف أنواع التعذيب والاستهزاء والطرد والتهجير والتشريد والتكفير ويشاركهم في ذلك غيرهم من المسلمين. نحن لسنا بصدد إخراج احد من المسلمين، نحن بصدد إثبات حكم لما يتعرض له الشيعة تنبيها على أن الشيعة يسري عليهم الأحكام الثابتة على غيرهم. يقول رسول الله في هذا الحديث: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز – من أنواع الخشب القوى – لا يهتز حتى يستحصد». – أي حتى يسقط – أي انه لا يزال قائما فيسقط مرة واحدة. هذا كناية عن النبي الصادق المصدوق والمصدق . مَن مِن الناس ومَن من المسلمين تعرض لما تعرض له إمامنا الحسين . ومن من الناس تعرض لما تعرض له إمامنا الهادي الذي نسفت قبته. راجعوا ترجمة حياة الإمام الهادي ستجدون أن شيعته لم يكونوا يستطيعون أن يوصلوا إليه سؤالا فقهيا، إلا بعد التستر بستار وغطاء يختفون به عن الجواسيس المدسوسين آنذاك في الأسواق. فيدخل الرجل الي حيث يستطيع أن يوصل سؤاله الي الإمام بواسطة تخفيه بعربة يجرها أو يدفعها ليبيع الحشائش والخضروات ويدس تحت قعر الباب سؤاله للإمام الهادي . ويستلم الجواب بهذه الطريقة.
ولو راجعنا أنفسنا عن علة ذهاب أئمتنا الي مدينة سرى من رأى (سامراء) وسكناهم في تلك المدينة التي ليس لشيعتهم وأنصارهم موطئ قدم. العلة هو الطرد من مدينة جدهم ، أليست العلة هي الإقامة الجبرية المفروضة عليهم. فمن زمان الإمام الحسين الي زمان الإمام الهادي، ومن زمان الإمام الهادي الي زمان غيبة إمامنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عج) وغيبته الصغرى والغيبة الكبرى الي زماننا هذا لم يهنأ للشيعة عيش ولم يطب لهم رقاد.
ما معنى هذا؟ المعنى أن الشيعة مؤمنون وليس مسلمين فقط، هم مؤمنون في أعلى درجات الإيمان. الشيعة تستحل دماؤهم لما ورد في صحيح البخاري: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني , والتارك للجماعة».
أولا: لا بد من الجمع بين هذه الرواية وبين الرواية التي تقول «لا يحب عليا الا مؤمن». فلا ينبغي الاقتصار على رواية والأخذ بها و الإعراض عن سائر الروايات.
ثانيا: هناك روايات أخرى تقول إن الإسلام سيأتي عليه زمان يعود غريبا كما ورد في صحيح مسلم: «إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء». في الصفحة (72) من صحيح مسلم، وفي رواية أخرى أن رسول الله قال:«أحصوني كم بدأ الإسلام، فقلنا يارسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمئة الي السبعمئة وفي البخاري عدد غير ذلك، قال إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا. قال الراوي – وهو حذيفة – فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا». هل معنى هذا أن الإسلام يعرف بالعدد!!
أين غربة الإسلام وأين الاستتار بالإيمان!! كما ورد في صحيح مسلم وفي باب آخر من صحيح مسلم: باب الدليل على من رضي بالله ربا و بالإسلام دينا وبمحمد رسولا فهو مؤمن وان ارتكب المعاصي الكبائر. هذا يعنى أن الحرب التي يواجهها الشيعة إنما يواجهها الشيعة في العراق بسبب إسلامهم ونحن نُبرئ ساحة كل مسلم وكل من يتلفظ بالشهادتين من تبعة هذه الأعمال و نوجب على كل المسلمين أن يدينوا هذه الأعمال والدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم.
أيها المسلمون أدركوا العراق فان الخطر الذي يواجهه العراق لا يختص بالشيعة. الشيعة هم اخلص الناس لهذا الدين واصدق الناس لهجة وأوفى الناس ذمة وعهدا. أدركوا العراق لان الخطر الذي يفتح لأعدائنا الخارجيين الباب للمزيد من مصالح المسلمين هو الطابور السادس المندسين في المسلمين الذي لا نجد غير الشيعة الآن وغير بعض الخلص من المؤمنين لم يستطيع أن يقول بجرأة وشجاعة أن هذه الفئة يجب محاربتها وانهم هم الذين يتحملون المسئولية. يجب على كل مسلم أن يسبق غيره في إدانة هذه الأعمال. لا أن ننتظر من الشيعة الموتورين أن يقفوا كل المواقف إزاء كل القضايا. وما قرأت الرواية التي تقول: «إن الله عز وجل لن يسلط عدوا من خارج الأمة عليهم» إلا تنبيها الي ما قاله الرسول الأعظم في سنته الصحيحة التي يجب على كل مسلم أن يأخذ بها.
إن عدونا فينا ومنا ومن هو العدو؟ يقول رسول الله وهذه مقالة رسول الله لكل مسلم: «من حمل علينا السلاح فليس منا» نبرأ الي الله تعالى من كل من لا يتفوه بالبراءة ممن يقتل نفسا محترمة في العراق. ونبرأ الي الله تعالى ممن يكون في قلبه ذرة من الشك في شرعية ما يجري في العراق. نبرأ الي الله تعالى من أن يتخذ الناس والمسلمون رؤساء جهالا. كما ورد في بعض الروايات التي قرأتها عليكم سابقا ولكنني سأذكرها مرة أخرى للدلالة على خطر ما يمر به المسلمون في هذه الأيام. ورد في بعض الأحاديث «إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعا، وإنما يقبض العلماء فيتخذ الناس رؤساء جهالا فيفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون».
يا أصحابنا يا موالينا، أيها الشيعة أيها المؤمنون أيها المسلمون كلامي أوجهه الي كل عاقل، لا ينبغي أن يتخذ الإنسان رأسا جاهلا، لا بد أن يكون الرأس عالما. وما الأخطار التي أحاطت بالأمة الإسلامية في العراق وفي غيره إلا لوجود بعض السفهاء الذين يتحكمون في شارع البعض لتظليلهم ولتسفيه آرائهم وللاستفادة من هذه القاعدة العريضة لتحقيق بعض مطالبهم الخاصة. وإلا لم يدعي المسلم السني في العراق هو الذي يرتضى بنسف القبة. الذي يرتضى بهذا العمل ليس بمسلم ولكنه للأسف يوجد من تبلغ به القحة والوقاحة والجرأة أن يتهم الشيعة بنسف قبة الإمام .
وما هذا إلا تصديق لما قاله رسول الله :«مثل المؤمن كمثل الزرع» وما هذا إلا تصديق لما قاله رسول الله : «إن ابغض الرجال الي الله الألد الخصم». أي خصومة هذه اشد مما نراه من البعض. يقتل الشيعة فيتذرعون بوجود فرق الموت في وزارة الداخلية. وتنسف القبب والمساجد والحسينيات وتنتهك الأعراض وتقتل النساء والأطفال والأنفس ويخرج البعض ويقول إن مسجد أو مسجدين سُلِبت ونهبت. نحن معكم في هذا الخندق. فما بالكم توجهون الكلام لنا !! لنقف معا ضد هذا العدو المشترك. وما احسن ما قاله البعض إن هذه الدعاوى وهذه المواقف هي التي تؤجج نار الطائفية.
واختم كلامي وأتوكل على الله عز وجل فيما أقول: يجب على المسلمين أن يلتفتوا الي أن الشيعة هم أهل الخبرة وأهل الحكمة وأهل الدراية. نحن الذين كنا نقول إن صداما ظالم، ونحن الذي كنا نقول إن صداما يريد الشر بالأمة، ونحن الذي واجهنا صدام، ونحن الآن مستعدون للتعاون مع المسلمين وحكام المسلمين وأئمة المسلمين للوقوف. أما هذا المد الذي يوجد بعض بهائمه وسباعه خادرة في كهوفهم وغيرانهم. نحن الآن مستعدون للتعاون لاجتثاث شأفة هذا الخط الكافر والفئة الضالة والتي امرنا الله عز وجل أن نقف صفا واحدا أمامها. نحن مستعدون ونحن من يريد للامة الاستقرار. والشيعة الي الآن ضربوا أروع الأمثلة في الحكمة والتعقل والتروي. ولكن يجب على الجميع أن يعرف خطورة التيار الآخر، لا أن يعرف خطورته فحسب بل أن يعرف انه خارج عن دائرة الإسلام. هؤلاء فئة ضالة فئة كافرة فئة لا تؤمن بغير أهوائها وغير معتقداتها. ومن كفر مسلما فقد كفر.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا النصيحة لأئمة المسلمين وعامة المسلمين وان يرزقنا القوة والغلبة والصبر والحكمة وان يأخذ لنا بثأرنا ممن ظلمنا وان ينصر إخواننا في العراق وان لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله إنشاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله.