الأزهر ينفي موافقته على حرية التبشير
آراء فقهية جديدة تدعو لاسقاط حد الردة و عدم ملاحقة التاركين للإسلام
نفى الشيخ فوزي الزفزاف رئيس لجنة الحوار بين الأديان السابق انه وقع و شيخ الأزهر وثيقة في ابريل 2005 على حرية التبشير بين الأديان في مصر.
وقال ـ”العربية.نت” إن التصريح الذي نسب على لسانه في صحيفة مصرية الأحد 2-4-2006 ليس صحيحا ولم يقله، وأن الوثيقة تكلمت فقط عن حرية العقيدة وعدم الاكراه على الدخول في أي دين.
لكنه أضاف: كما أن للمسلم أن يدعو لدينه، فان هذا حق للآخرين بشرط ألا يكون فيه اكراه او استغلال للأوضاع الصعبة التي تعيشها المجتمعات الاسلامية الفقيرة، وأن المجلس لبابوي للفاتيكان يوافقه على هذه الرؤية.
وأكد مع اثنين من الباحثين الاسلاميين أن موضوع حد الردة يفسر بطريقة خاطئة تستغل في الاساءة للاسلام، ولا يطبق على الحالات الفردية التي لا تشكل خطرا على المسلمين، وإنما تصبح في هذه الحالة حرية شخصية، خاصة وأن هناك أكثر من 25 اجتهادا متباينا حول هذا الموضوع.
وكان مؤتمرا لأقباط المهجر عقد في الأسبوع الماضي في زيورخ بسويسرا طالب بتفعيل الوثيقة التي وقعها الأزهر مع وفد من المنظمات المسيحية، ثم نشرت صحيفة “المصري اليوم” المستقلة أن الشيخ الزفزاف اعترف بصحة الوثيقة، مؤكدا أنه لا يوجد بها ما يخالف الإسلام، وأنه قام بالتوقيع عليها في حضور شيخ الأزهر و بناء علي طلبه.
كما نقلت الصحيفة عن الدكتور يوحنا قلتة نائب بطريرك الأقباط الكاثوليك أن الأزهر وقع علي وثيقة تدعو لحرية «التبشير» في مصر، مع عدد من القساوسة، ممثلين لمنظمات مسيحية عالمية، وأن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي والشيخ فوزي الزفزاف رئيس لجنة الحوار بين الأديان السابق، قاما بتوقيع الوثيقة في أبريل عام 2005 أثناء زيارة وفد المنظمات المسيحية الدولية برئاسة القس إميل حداد، و أنها تدعو صراحة إلي حرية التبشير بين الديانتين الإسلامية و المسيحية، وتنص علي أن للجميع مطلق الحرية في الدعوة لاتباع أي ديانة، مادام ذلك بالحسني ودون إكراه أو اضطهاد.
وأن من ضمن بنود الوثيقة إعطاء الحق لجميع الأفراد والجماعات من مختلف الأديان في أن يعرضوا بشكل سلمي علي الآخرين نظرتهم الخاصة بالأمور اللاهوتية أو الإنسانية أو الحياة الآخرة، ولكل إنسان الحق المقدس في اعتناق أي دين دون التعرض للأذي من قبل أي جهة أمنية أو سياسية.
لم نوقع على حرية التبشير
و في اتصال مع “العربية.نت” قال الشيخ الزفزاف “كل ما نشر عن الوثيقة التي وقعها الأزهر حول حرية التبشير كلام فارغ، وما حصل بالضبط أن وفد المنظمات المسيحية جاء وقابل شيخ الأزهر في العام الماضي وعرض عليه وثيقة الحوار بين الأديان، والتي نصت على حرية العقيدة وعدم الاكراه على الدخول في أي دين، وهو مبدأ يقره الاسلام ولم تتكلم الوثيقة عن التبشير ولا عن هذا الكلام الذي قيل.”
واستطرد: “ما جاء في هذه الوثيقة أنه يجب ألا يستغل الدين في اثارة العداوة بين البشر، و ان حرية العقيدة مكفولة، و كل انسان يختار العقيدة التي يرتضيها دون اكراه عليها، وهذا هو كلام الاسلام، أما القول ان الأزهر وافق على التبشير فهذا لا أساس له من الصحة مطلقا، بدليل إنني في العام الماضي في اجتماع اللجنة المشتركة بين لجنة الحوار في الأزهر و لجنة المجلس البابوي للحوار في الفاتيكان أثرت في البحث الذي قدمته، موضوع التبشير في التجمعات الاسلامية، و قلت إن هذا مرفوض، و يجب ألا تستغل حاجة الفقراء في التبشير بالدين، و قد وافق المجلس البابوي للفاتيكان على كلامي و هذا مثبت رسميا.”
25 رأيا حول حد الردة
وعن الضجة التي أحدثها الحكم بالاعدام على أفغاني مسلم اعتنق المسيحية وذلك قبل العفو عنه لتمنحه ايطاليا حق اللجوء السياسي، علق الزفزاف بأن “موضوع الردة يستغل الآن ضد الاسلام أسوأ استغلال، وأحسن من كتب في هذا الموضوع استاذنا المرحوم الشيخ عبدالمتعال الصعيدي وهو استاذي ودرست على يديه في كلية اللغة العربية بالأزهر في الخمسينيات، فقد كتب عن الحرية الدينية في الاسلام واستعرض فيها جميع أقوال الفقهاء، و فيها أكثر من 25 رأيا، وقد انتهى الشيخ عبدالمتعال إلى أن المرتد نوعان، الأول نوع ينضم إلى الأعداء ويكون خطرا على الدولة الاسلامية، و نوع يرتد عن الاسلام لمجرد الارتداد ولا يشكل خطرا.
وقال الزفزاف إن الشيخ الصعيدي رأى أن النوع الأول الذي يمثل خطرا على الدولة الاسلامية، أصبح عدوا لها لذلك يتم قتاله ليس لأنه مرتد بل لأنه صار عدوا للدولة يحاربها، أما الثاني الذي لا يمثل خطورة فالرأي فيه أن يترك أمر استتابته للامام، أي الحاكم، ولم يتم تحديد مدة الاستتابة فهذا يعني أنه يستتاب مدى الحياة ولا يقام عليه حد القتل ولا نشغل أنفسنا به لأنه لا يمثل خطورة على الدولة.
وأضاف: هذه هي حرية العقيدة التي يقرها الاسلام ويحترمها، وهذا الرأي هو الذي ارتضيه وكثير من العلماء يرتضونه، وفي وقت نفسه يرد على الذين ينتقدون الاسلام من هذه الزاوية، فهم يأخذونها ويتكلمون عنها بما يسيئ له.
و رداً على سؤال حول ما إذا كانت العقيدة الاسلامية ترفض التبشير قال الزفزاف: “الدين الاسلامي دين دعوة، فمطلوب منا أن نعرض هذه الدعوة على الناس جميعا ولكن دون اكراه، والاسلام لا يرفض دعوات الأديان الأخرى فهذا حقها أيضا إذا تمت بدون اكراه أو استغلال الحاجة، لكن المؤسسات التبشيرية التي تعمل في وسط التجمعات الاسلامية في العالم كله، تعمل دائما في وسط الفقراء وتستغل حاجتهم.”
حد الردة ليس من القرآن ولا الرسول
وقال جمال البنا ـ”العربية.نت”: حد الردة ليس من القرآن ولا من الرسول، إنما جاء به الفقهاء، فالقرآن تكلم عن حرية الاعتقاد باعتبار أنها مطلقة “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.. بل أكثر من هذا اعتبرها الاسلام مسألة شخصية لا دخل فيها للنظام العام ولا أن تتدخل فيها أي هيئة أو أفراد “فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها”.. إنها قضية ضمير، وهذا هو كلام القرآن.
وفسر ذلك بقوله: في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد عدد كبير، ففي مرة ارتد 12 شخصا، و مرة أخرى ارتد اثنان من أبناء أحد الانصار، و مرة ثالثة ارتد في الحبشة عبدالله بن جحش و معه أحد كتبة الرسول و اسمه ابن أبي صرعة، فلم يتعقبهم الرسول بعقوبة أو طلب منهم استتابة.
و ذلك الرجل من الأنصار عندما ارتد اثنان من أولاده، قال للرسول” هل أدع ولدي يدخلان النار، فرد عليه: “لا اكراه في الدين”. ويوضح جمال البنا: يجب أن نفهم أن الفقهاء وضعوا احكامهم في المرحلة التي بلغت فيها الدولة الاسلامية مرحلة الامبراطورية، فأحمد بن حنبل عاصر المأمون، حيث وصلت الخلافة إلى الامبراطورية الكاملة، و بالتالي كان ضروريا للفقهاء بوصفهم مقنين ومشرعين أن لا تتعارض أحكامهم مع طبيعة هذه الامبراطورية في مرحلة الزهو بالذات حيث لم تكن تقبل حرية. ولو جاءت أحكامهم عكس ذلك لرفضتهم الدولة.
ومضى قائلا: فعلا تعرض الأئمة أحمد والشافعي وأبو أحنيفة ومالك في بدايتهم للاضطهاد، ومن جاء بعدهم كانوا أقل منهم علما، اضافة إلى أنهم كانوا يخافون الفتنة بين المسلمين، ففي موروثهم دافع عام وموضوعي يبرر لهم أن يصدروا حكما على الردة التي كانت تعني عندهم مخالفة النظام، فعثروا على ضالتهم من خلال حديث “من بدل دينه فاقتلوه” الذي رواه عكرمة مولى ابن عباس، وقد رفضه الامام مسلم، بل رفض كل أحاديث عكرمة لأنها برأيه فيها شبهات، لكن البخاري تقبله وأورده في كتابه “البخاري.”
و أضاف: لو كان الفقهاء حكموا بالانصاف والنزاهة لتوصلوا إلى أن رفض الامام مسلم لهذا الحديث شبهة قوية جدا تجرحه، إلا أنهم في الحقيقة كانوا يبحثون عنه ويريدونه تقريبا لكي يسنوا حد الردة ويصبح سيفا مصلتا على أعناق أي خارج، و دعموا ذلك بصيغة “من جحد معلوما من الدين بالضرورة” فمئات التهم من الممكن أن تندرج تحت هذه القاعدة، فمثلا من ضمن حيثيات حكم المحكمة السودانية على محمود محمد طه بالاعدام، أنه انكر الحجاب لأنه معلوم من الدين بالضرورة.
وعندما قرر وزير التربية والتعليم في مصر زيا موحدا في مدارس البنات، كتبت مذكرة ضد ذلك لأنهم اعتبروا القرار انكارا للحجاب لكونه معلوما من الدين بالضرورة.
وأشار إلى أن الاسلام يفخر بحرية الفكر و العقيدة، و بالتالي فان الحكم الذي صدر في البداية على الأفغاني الذي اعتنق المسيحية، لم يكن حصيفا و لم يقم على أسس اسلامية معتبرة.
و يؤکد الباحث الإسلامي الدکتور کمال حبيب أن موضوع حد الردة ليس مجمعا عليه، و هناک اختلاف حوله بين الفقهاء، و تفسيرات متعددة حوله، و لم يطبق حد الردة إلا مرات قليلة جداً في تاريخ الإسلام.
و أشار إلی أن نصاً مثل “لا إکراه في الدين” هو نص قطعی و يمثل قاعدة تفهم في سياقها کل النصوص الجزئية، فإذا تعارض معه نص جزئي فيجب أن يخضع في تفسيره للنص الکلی القطعي.
و الحديث الذي يقول “التارک لدينه المفارق للجماعة” يؤکد أن القضية ليست مجرد ترک الدين فقط و لکن أن يقوم ذلک التارک بتصرف حرکي ضد الجماعة نفسها، بعد أن يعتنق ديناً آخر أو دعوة الحادية و هکذا..
و أوضح أن کثيراً من علماء المسلمين تکلموا عن المبتدع و ممکن أن نقيس علی ذلک مسألة المرتد، فقد قالوا إنه لو کان فرداً لا يتخذ موقفاً ضد هوية الأمة و الجماعة التي يعيش فيها، ففي هذه الحالة لا يؤاخذ و يترک شأنه. و يمکن أن نقول هنا إن حديث “التارک لدينه المفارق للجماعة” متصل بمسألة الخيانة العظمی، و يعني اتخاذهموقفاً حرکياً ضد جماعته و تعاونه مع أعدائها مثلاً.
الخلاصة في هذه القضية أن الإجتهاد الأغلب اليوم و هذا هو رأيي الشخصي أيضاً، أن نفسر کل النصوص الجزئية المتصلة بموضوع الردة، بإحالتها إلی نص “لا إکراه في الدين قدتبيّن الرُشدُ مِن الغيّ ” و أنه إذا رأی فرد ما ان يترک الدين الإسلامي فليترکه و الإسلام ليس بحاجة إليه، بشرط ألا يتحول من موقف فردي إلی موقف حرکی يدعو فيه إلی أن يترک الآخرون الدين الإسلامي أو يغرر بهم و يدعوهم لعقيدته الجديدة.
و قال الدکتور کمال حبيب إن أحکام الردة کما أسلفت لم تطبق في تاريخ الإسلام سوی مرات قليلة جداً، ففي عهد الرسول لم تطبق، و طبقت مرّة واحدة بمحاذير في عهد أبي بکر الصديق ضد شخص أنکر معلوماً من الدين بالضرورة و تحدی الإسلام.
حرية العقيدة مکفولة في إطارها الشخصي
و أضاف: يسألني البعض مثلاً أن شخصاً يريد أن دينه الإسلامي، فأجيب له أن يترکه فالإسلام ليس في حاجة إليه، لکن بشرط ألا يتحول ذلک من موقف فردي إلی موقف حرکي معاد، فنص “لا إکراه في الدين” هو نص جامع قاطع، و کل النصوص الجزئية تحال إليه.
و لکنه أشار إلی ما يثار حول حرية العقيدة مسألة خاصة بغير المسلم، و بالنسبة للمسلم فهي في حدود ضيقة جداً حتی لا تتحول إلی شيءٍ يلعب به، معتقداً أن موضوع الأفغاني حالة رمزية و ليس موقفاً شخصياً، فمن الممکن أن تکون وراءه قوی دولية لتشجيع ما يسمی حرية الإعتقاد في دولة إسلامية تقليدية مثل أفغانستان و لإثبات أنه ليست هناک حرية عقيدة، و بالتالي يکون موقفه محرضاً للآخرين متجاوزاً حدود حريته الشخصية.